بعد عقود من السبات، ووجود الاتحاد كمؤسسة وطنية بلا برامج ولا أنشطة ولا رؤية ولا كوادر مؤهلة، وبعد أن ضاعت البوصلة عن الهدف الذي أسس من أجله "الاتحاد العام لنقابات العمال" – تعود الروح والحياة إلى هذا الصرح بإدارته الجديدة التي نفضت الغبار وبدأت بمراجعة شفافة وإعادة بناء كافة مفاصل الاتحاد، وحققت العديد من الإنجازات في فترة قصيرة. حدث كل هذا في غضون سنة تقريبا، بعد أن تولدت إرادة سياسية في ظل توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وحرصه على أن يرى أهداف ونتائج رؤية التحديث الاقتصادي في كافة مؤسسات الوطن.
فبدعم مباشر من رئاسة الوزراء، تمكن الاتحاد العام لنقابات العمال – برئاسة السيد خالد الفناطسة – من بناء شراكات مع العديد من المنظمات الدولية، والمؤسسات الوطنية، وشركات القطاع الخاص المتميزة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمكنت كوادر الاتحاد العام من إجراء تقييم وتحليل دقيق لعمل الاتحاد لإعداد الخطة الاستراتيجية، ومقترحات لمبادرات تحمي حقوق العمال وترتقي ببيئات العمل لتحقيق شروط العمل اللائق. وبدعم من منظمة العمل الدولية من تطوير خطة الاتصال والاعلام للفترة 2025 حتى 2027.
وعلى الصعيد العام، شارك الاتحاد العام في وضع الخطط والسياسات والبرامج الوطنية، كان أبرزها المشاركة في الحوارات الوطنية التي أفضت إلى رفع الحد الأدنى من الأجور، والمشارك في تعزيز الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال المشاركة الفاعلة في لجان تطوير الخطة الوطنية للتوظيف الأخضر. وتعلي إدارة الاتحاد الحالية من شأن أهمية استقلالية العمل النقابي وتعزيز دوره من خلال التنسيق والمشاركة في الحركة النقابية العربية وتوفير أدوات العمل النقابي العربي المشترك، وكذلك في الحركات النقابية الدولية مثل تمثيل الأردن في مؤتمر العمل الدولي والمشاركة في اتحاد عمال المعادن الأوراسي الدولي. أضف إلى ذلك تنظيم ورش عمل حول الصحة والسلامة المهنية. كما يقوم الاتحاد بدور مهم في دعم حقوق المعلمين والمعلمات العاملين في القطاع الخاص والتأكيد على ضرورة التزام المدارس الخاصة بالاتفاقية المتعلقة بالعقد الموحد، خاصة أن هذه الاتفاقية ملزمة ولا يقبل التراجع عنها كونها موقعها من قبل بإشراف سلطة رسمية تنفيذية وهي وزارة العمل. وغيرها من الإنجازات والملفات الساخنة التي يوليها الاتحاد العام أهمية بالغة من خلال سعية الدؤوب إلى استقطاب الكفاءات والخبرات الوطنية الدولية لدعم وتطوير العمل المؤسسي للاتحاد.
ولا يخلو العمل العام وخاصة النقابي من تحديات! فرغم اتساع مساحة العمل، فتنظيم الجهود وتركيزها يعد أمرا أساسيا للنجاح وتحقيق النتائج المرجوة. وأود أن أفرد هنا بعض التحديات والمقترحات التي غابت عقود عن الاتحاد العام لنقابات العمال وكان مجرد التفكير بها ضربا من الخيال:
- هل سيضطلع الاتحاد العام بدور محوري في بناء قدرات العمال؟ هل سينجح الاتحاد في توجيه البرامج التدريبية والتعليمية والتأثير عليها كي تكون متوافقة مع متطلبات سوق العمل الحالية، والتطورات التكنولوجية العالمية، والسياق العام في الأردن.
- هل سينجح الاتحاد في توفير برامج توجيه وارشاد مهني للطلبة والمتدربين قبل الالتحاق بالدراسة أو أثناء التدريب لتحديد توجهاته أو مساره المهني، واثناء الدراسة أو التدريب بحيث يضمن الاتحاد بأن الشباب والفتيات يحصلون على مهارات التوظيف والمهارات الناعمة وتنظيم فرص للتدريب في مواقع العمل، والمشاركة في تقييم وتحديث برامج التدريب المهني والفني في الجامعات ومعاهد التدريب المهني؟
- هل سينجح الاتحاد في تبني آليات لتعزيز استقلالية الاتحاد والنقابات العمالية من خلال تقييم السياسات العامة وتقديم المشورة التي يحتاجها صانع القرار، وعدم تكرار أخطاء الإدارات السابقة التي لم تكن تظهر إلا للمدح وتبادل التبريكات على القرارات الحكومية من دون النظر لمدى توافقها مع مبادئ حقوق وحماية العاملين. هذه التوجه يوجب على الاتحاد العام تنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتماد على التمويل الحكومي؟
- هل سيتمكن الاتحاد العام من مناصرة تعديل التشريعات التي تعوق تأسيس نقابات عمالية أو تحد من قدرة النقابات على العمل باستقلالية وحرية؟
- هل سينجح الاتحاد في تنشيط الهيئات العامة للنقابات العمالية للقيام بدورها الرقابي الداخلية والمسائلة الاجتماعية، والممارسات الديمقراطية الفعالة عند انتخاب هيئاتها الإدارية؟
- هل سينجح الاتحاد في تبني آليات تهدف إلى زيادة أعداد المنتسبين للنقابات العمالية؟
- هي سيطور الاتحاد نظام لاستقبال الشكاوى (خط ساخن وتطبيق للهواتف الذكية) لتمكين العمال من تقديم شكواهم بسهولة وسرية؟
- هل سيتبنى الاتحاد نهجا لتحليل البيانات التي تجمع من الشكاوى بصورة دورية، وإجراء دراسات تحليلية وتحقيقات استقصائية للشكاوى التي تشكل ظاهرة عامة تؤثر على شريحة كبيرة من العمال لصياغة سياسات عامة جديدة أو تعديل سياسات قائمة؟
- هل سينجح الاتحاد في تفعيل اتفاقيات العمل الجماعية، مثل برنامج العمل اللائق الذي وافق الأردن عليه منذ عام ٢٠١٨؟
- هل سيكون الاتحاد قادرا على بناء قدرات أعضاء الهيئات الإدارية للنقابات العمالية وتزويدهم بالمهارات اللازمة مثل مهارات التنسيق والعمل التشاركي، مهارات واستراتيجيات التفاوض، ومهارات اتخاذ القرار، ومبادئ وأسس العمل النقابي، والاقتصاد الأخضر؟
- هل سيكون للاتحاد والنقابات العمالية دور في صناعة السياسات العامة التي تتعلق بالشركاء الاجتماعيين لضمان المواءمة بين مهارات العمال ومتطلبات سوق العمل حيث يتطلب هذا تدريب أعضاء الاتحاد والنقابات على مهارات حوار السياسات وكيفية صناعة السياسة العامة وكتابة مقترحات للسياسة (أوراق السياسات)؟
- هل سينجح الاتحاد في ضمان الشفافية والرقابة الداخلية من خلال تحديث النظام الداخلي للاتحاد ، وإعداد مدونة قواعد السلوك، وآليات تضمن الامتثال للمعايير المحاسبية والمالية، وبناء وصف وظيفي لموظفي الاتحاد والنقابات ولممثلي الاتحاد في المؤسسات الوطنية العامة، بالإضافة إلى أدوات لتقييم الأداء؟
- هل سيطور الاتحاد قدراته الداخلية لكتابة مقترحات المشاريع للحصول على تمويل لتنفيذ مبادرات وبرامج تهدف الى تحسين بيئة العمل وتعزيز حقوق العمال، وقد يتطلب هذا استحداث قسم للبحث والتطوير؟
- هل سيتبنى الاتحاد آلية تلزم الموفدين للمشاركة نيابة عن الاتحاد في أنشطة أو فعاليات سواء داخل المملكة أو خارجها بكتابة تقرير وخطة لنقل أثر مشاركتهم إلى الاتحاد والنقابات وزملائهم؟
- هل سينجح الاتحاد في بناء علاقة توأمة مع اتحاد عمالي في دولة متقدمة؟
- هل سينجح الاتحاد في وضع ما سبق من تحديات في خطة استراتيجية قابلة للتنفيذ وتوفير التمويل اللازم لتنفيذها؟
وختاما، روح الإيجابية تسود الاتحاد العام لنقابات العمال وعلاقة الاتحاد مع الأطراف المعنية والدولية تتطور يوما بعد يوم. وفرق العمل الحالية قادرة - بالتأكيد - على مواجهة هذه التحديات والتطوير للدفاع عن حقوق العمال ومناصرة قضاياهم والمساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي الوطني وفقا للرؤية الملكية للتحديث الاقتصادي.
